فضل العشر من ذي الحجة

sabk20 يونيو 2023آخر تحديث :
فضل العشر من ذي الحجة

قتضت حكمة الله – سبحانه وتعالى – أن يفضل بعض الناس على بعض، ففضل الأنبياء والرسل على سائر البشر، بل إن هذا التفضيل الإلهي جار بين الأنبياء والرسل الكرام أيضا، قال تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)، وأفضلهم على الإطلاق هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وفضّل الله بعض البلاد والأماكن على بعض، ففضل مكة والمدينة على سائر البلدان وفضّل بعض الشهور على بعض، ففضل رمضان على غيره، وفضل ليلة القدر على سائر الليالي، وجعل يوم الجمعة خير الأيام وأفضلها وهذا التفضيل له أسبابه وحيثياته التي تستقى من كلام الله ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن أعظم الأيام التي ترد على الإنسان على مدار العام كله الأيام العشر الأول من شهر ذى الحجة، تلك الأيام العظيمة المباركة التى أقسم بها الله – سبحانه وتعالى – فى كتابه الكريم، وقسم الله بها دليل عظمتها وأهميتها وفضلها.

والقسم – كما هو معروف – أسلوب من الأساليب التى استخدمها العرب للتأكيد على أهمية الشيء المقسم به وعظمته، وقد استخدمه القران الكريم جريا  على ما ألفه العرب فى استعمالاتهم، ولله – عز وحل – أن يقسم بمن شاء وما شاء من مخلوقاته، وقد أقسم الله بهذه الليالى العشر تنبيها على فضلها ومكانتها، فقال – تعالى – (والفجر وليال عشر ) سورة  الفجر 1 – 2.

وفي بيان المراد بـ ليال عشر قال جمع كبير من العلماء والمفسرين: (هي ليالي الأيام العشر الأولى من شهر ذى الحجة )، وورد عن سيدنا عبد الله بن عباس – رضی الله عنهما -، وغيره من ائمة المفسرين: أنها هي العشر التي ذكرها الله فى قصة موسى – عليه السلام – في قوله تعالى ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتمناها بعشر) سورة الأعراف / 142 وهي أفضل أيام السنة.

ومن دلائل عظمتها وفضلها عند الله تعالى، أننا عندما نتأمل ونتدبر النص القرءانى الكريم، نجد أن الله تعالى – أوردها منكرة بين زمانین معرفين، حيث قال تعالى ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر)، فكل من الفجر والشفع والوتر، الفاظ جاءت معرفة بـ (ال)، وذكرت “ليالٍ”، منكرة، ومجيئها على هذه الصيغة یعنی اشتهار أمرها وذيوع فضلها بما يستغنى معه عن التعريف وقد ألمح إلى ذلك العلماء المفسرون

يقول الإمام القرطبي – رحمه الله – فى تفسيره “الجامع لأحكام القرآن”: وإنما نكرت ولم تعرف لفضيلتها على غيرها، فلو عرفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذى في التنكير، فنكرت من بين ما أقسما الله به للفضيلة التي ليست لغيرها.

ويقول الإمام. الطاهر بن عاشور – رحمه الله -:إنها عشر معلومة للسامعين موصوفة بأنها عشر، واستغنى عن تعريفها بوصفها بعشر وعدل عن تعريفها ليتوصل إلى تنوينها المفيد للتعظيم، وليس فى ليالى السنة عشر ليال متتابعة في العظمة مثل عشر ذي الحجة.

وكذلك من دلائل وحيثيات العظمة والفضل لهذه الأيام المباركة أن فيها يؤدى الكثير من مناسك الحج، ففيها – ابتداء – الإحرام لدخول مكة لأداء النسك، وفى اليوم الثامن منها “يوم التروية تبدًا أعمال الحج بالخروج إلى منى والمبيت بها، وفى اليوم التاسع ” يوم عرفة يكون ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة، ثم تكون النفرة من عرفة بعد غروب الشمس للمبيت بمزدلفة، وفى اليوم العاشر يوم النحر، ترمى الجمرات، وغيرها من أعمال المناسك، وما أعظمها من أيام يؤدى فيها المسلمون هذه الفريضة ومناسكها.

وحتى لا يحرم المشتاقون الذين لم يقدر الله عز وجل – لهم الحج لأداء هذه الفريضة وممارسة شعائرها في هذه الأيام العظيمة، فقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم – على فضل هذه الأيام عند الله  ، وعظم ثواب الأعمال الصالحة فيها، والذى ينبغى معه ألا يدع المسلم هذه الأيام تمر عليه دون أن يتقرب إلى الله فيها بالعبادات والطاعات التي ترفع رصيد حسناته فيقول – عليه الصلاة والسلام – (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله. من هذه العشر يعنى: عشر ذي الحجة قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء ( )، ويروى عنه أيضا أنه قال: “ما من أيام أحب إلى الله لن يتعبد له فيها من عشر شئ الحجة وإن صيام يوم منها يعدل صيام سنة، وقيام ليلة منها يعدل بقيام ليلة القدر  – ومن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم لله تعالى في هذه الأيام  بعد إخلاص التوبة النصوح الله:

وهذه الليالى لم ينشأ فضلها فى زمن الأمة المحمدية فقط، بل إن فصلها وجد منذ زمن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولعل هذا كان ارتباطا بفريضة الحج ومناسكه، يقول العلماء وكانت الليالي العشر معينة من الله – تعالى – فى شرع إبراهيم – عليه السلام – ثم غيرت مواقيتها بما أدخله أهل الجاهلية على السنة القمرية من النسىء، فاضطربت السنين المقدسة التي أمر الله بها إبراهيم – عليه السلام – إلى أن أوحى الله إلى نبيه محمد صلى  الله – عليه وسلم – فى سنة عشر من الهجرة عام حجة الرواع بأن أشهر الحج في تلك السنة وافقت ما كانت عليه السنة في عهد إبراهيم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – في خطبة  حجة الوداع « إن الزمان قد استدار كهيئه يوم خلق الله السماوات والأرض

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة