في مؤشر جديد على تصاعد الغضب الشعبي الفرنسي تجاه الامتيازات الممنوحة للجزائريين، أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة CSA لصالح قناة CNEWS وصحيفة JDD وإذاعة Europe 1، أن غالبية ساحقة من الفرنسيين تؤيد إلغاء اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين تسهيلات استثنائية في الإقامة والعمل والتنقل داخل فرنسا.
وكشف الاستطلاع، الذي أجري يومي 8 و9 يوليوز الجاري وشمل عينة وطنية ممثلة من 1007 مشاركين فوق سن 18، أن 72% من المستجوبين يفضلون إنهاء الاتفاقية، رغم تسجيل تراجع طفيف عن استطلاع سابق في يناير الماضي الذي بلغت فيه النسبة 74%. ويعكس هذا التوجه تمسكًا واسعًا في الشارع الفرنسي بإنهاء ما يعتبره الكثيرون “امتيازًا غير مبرر”.
تأتي هذه الأرقام في سياق سياسي متوتر زادته توترًا سلسلة من الفضائح الحقوقية المرتبطة بالجزائر، أبرزها إدانة الكاتب الجزائري بوعلام صنصال وسجن الصحفي الفرنسي كريستوف غليز، ما أعاد فتح ملف اتفاقية أُبرمت قبل أكثر من نصف قرن، ويرى فيها كثيرون بقايا نظام تمييزي لم يعد يخدم المصالح الفرنسية.
ومن حيث الفئات العمرية، تصدرت الفئة التي تتجاوز 50 عاماً قائمة المؤيدين لإلغاء الاتفاقية بنسبة 77%، في حين أبدت الفئة الشبابية (18-24 سنة) موقفاً أقل حدة، حيث رفض 54% منهم إلغاء الاتفاقية، ما يعكس تبايناً في المواقف بين الأجيال.
أما على مستوى الطبقات الاجتماعية، فقد أظهر الاستطلاع دعماً واسعاً لإلغاء الاتفاقية في جميع الشرائح، من ذوي الدخول المرتفعة (72%) إلى الفئات الأقل دخلاً (76%) وحتى غير النشيطين اقتصادياً (69%)، ما يبرز وجود شبه إجماع شعبي يتخطى الفوارق الاجتماعية.
سياسياً، كان التأييد أقوى بين اليمين واليمين المتطرف، إذ أيد 91% من أنصار حزب الجمهوريين و88% من أنصار التجمع الوطني إلغاء الاتفاقية. حتى بين أنصار الرئيس إيمانويل ماكرون، أبدى 79% تأييدهم للخطوة. في المقابل، بدا اليسار منقسماً، إذ أيد الحزب الاشتراكي الإلغاء بنسبة 59%، بينما أبدى مناصرو حزب “الخضر” و”فرنسا الأبية” تحفظاً أو رفضاً لهذا الإجراء.
وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان قد لمح في تصريحات سابقة إلى إمكانية تعديل أو إلغاء الاتفاقية سريعاً، خصوصاً فيما يخص منح التأشيرات والإقامة، في إشارة إلى وجود توجه رسمي لإنهاء ما يعتبره البعض “استثناء جزائرياً لم يعد له مبرر”.
ويعكس هذا الاستطلاع تحولاً واضحاً في المزاج العام الفرنسي تجاه الجزائر، ولا سيما تجاه النظام السياسي الجزائري الذي يثير جدلاً داخلياً وخارجياً بسبب مواقفه المتناقضة من حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية.
وباتت اتفاقية 1968، التي كانت يوماً رمزاً للتقارب بين البلدين، تُنظر إليها اليوم كعبء يطالب الفرنسيون بإلغائه، انسجاماً مع التحولات السياسية والاجتماعية، ورفضاً لامتيازات يعتبرها كثيرون فاقدة لمسوغاتها.