جراح حرب الصحراء المنسية: صرخات مكتومة لأسر الشهداء

sabkمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
جراح حرب الصحراء المنسية: صرخات مكتومة لأسر الشهداء

 

العيرج ابراهيم : ابن شهيد

 

في رمال الصحراء الشاسعة، حيث ارتوت الأرض بدماء زكية، سقط أبطال مغاربة دفاعًا عن وحدة الوطن وسلامة أراضيه. لقد مضت عقود على انتهاء حرب الصحراء، لكن أصداء المعارك لا تزال تتردد في قلوب أسر هؤلاء الشهداء. إنهم يعيشون جراحًا مضاعفة؛ جرح فقدان الأب أو الابن أو الزوج، وجرح الإحساس بالخذلان والتجاهل من مؤسسات كان من المفترض أن ترعى ذكراهم وتوفر الدعم لأسرهم.

لقد ضحى هؤلاء الأبطال بأغلى ما يملكون، أرواحهم، تاركين خلفهم أمهات ثكالى، وزوجات أرامل، وأبناء يتامى يحملون عبء الفقد وهم في مقتبل العمر. لقد توقعت هذه الأسر أن يتم تكريم شهدائها بما يليق بتضحياتهم، وأن تحظى هي بالرعاية المادية والمعنوية التي تمكنها من مواجهة صعوبات الحياة بعد رحيل المعيل والسند. لكن الواقع المرير يشي بخلاف ذلك.

تتحدث الأمهات بعيون دامعة عن ذكريات أبنائهن، عن شجاعتهم وإخلاصهم للوطن، لكن حديثهن سرعان ما يتحول إلى مرارة وشكوى من الإهمال. “لقد نسينا”، تقول أم شهيد بصوت خافت، “لم يعد أحد يسأل عنا أو عن أحوالنا. الوعود التي قُطعت لنا تبخرت مع مرور السنين”. وتضيف أرملة أخرى بنبرة يائسة: “نواجه صعوبات جمة في تربية أبنائنا وتلبية احتياجاتهم الأساسية. الدعم الذي نحصل عليه شحيح ولا يكفي لسد رمق العيش”.

إن قصص هذه الأسر تتشابه في تفاصيلها المؤلمة. قصص عن معاناة في الحصول على معاش لائق، أو سكن مناسب، أو رعاية صحية كافية. قصص عن أبناء الشهداء الذين يجدون صعوبة في إكمال تعليمهم أو الحصول على فرص عمل تحفظ كرامتهم. قصص عن تجاهل لتضحيات آبائهم في المناهج الدراسية أو في الفضاء العام.

لقد أُنشئت مؤسسات وهيئات يُفترض بها أن تعنى بشؤون قدماء المحاربين وضحايا الحرب وأسر الشهداء. لكن يبدو أن هذه المؤسسات تعاني من ضعف في آليات العمل، أو نقص في الموارد، أو حتى غياب في الرؤية الاستراتيجية الواضحة التي تضمن وصول الدعم لمستحقيه. إن البيروقراطية المعقدة والإجراءات الطويلة والمعقدة غالبًا ما تحول دون حصول هذه الأسر على حقوقها الأساسية.

إن تكريم الشهداء لا يقتصر فقط على إطلاق أسمائهم على الشوارع أو إقامة احتفالات رمزية باهتة. التكريم الحقيقي يكمن في رعاية أسرهم، وتوفير حياة كريمة لهم، وضمان عدم شعورهم بأن تضحيات ذويهم ذهبت سدى. إنهم أمانة في عنق الوطن، ومسؤولية تاريخية وأخلاقية تقع على عاتق جميع المؤسسات المعنية.

إن صمت هذه الأسر المكلومة هو صرخة مدوية في وجه النسيان. إنهم لا يطالبون بالكثير، بل يطالبون بحقوقهم المشروعة، وبتقدير لتضحيات أبنائهم التي لولاها لما تحقق الأمن والاستقرار الذي ينعم به الوطن اليوم.

حان الوقت لكي تستفيق المؤسسات المعنية من سباتها العميق، وأن تلتفت بجدية لمعاناة هذه الأسر. حان الوقت لتفعيل القوانين واللوائح التي تضمن حقوقهم، وتبسيط الإجراءات، وتوفير الدعم المادي والمعنوي اللازم لهم. حان الوقت لترجمة عبارات التقدير والاعتراف إلى أفعال ملموسة تخفف من آلامهم وتحفظ كرامتهم.

إن الوفاء لشهداء الصحراء يقتضي منا جميعًا أن نكون صوتًا لأسرهم المنسية، وأن نسعى جاهدين لرفع الظلم والإهمال الذي يطالهم. إن جراح الصحراء لن تندمل إلا عندما يشعر أبناء وأرامل وأمهات الشهداء بأن تضحيات ذويهم لم تذهب هباءً، وأن الوطن لم ينسهم.

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة