يعد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية حدثاً وطنياً يعكس ارتباط المغاربة بثقافتهم الأصيلة وتراثهم اللامادي الغني، الذي يجسد روح الانتماء والتنوع. وتأتي هذه المناسبة، التي تم إقرارها عطلة وطنية رسمية بتوجيهات سامية من جلالة الملك محمد السادس، كفرصة لتأكيد الاعتزاز بالموروث الثقافي الذي يوحد المغاربة ويميزهم.
تقاليد تمتد عبر الزمان والمكان
تمثل السنة الأمازيغية محطة احتفالية تُبرز معارف المغاربة الدقيقة بالطبيعة، وقدرتهم على التعايش مع نظمها البيئية، كالتنبؤ بالأمطار وتنظيم الأنشطة الزراعية. وكما أوضح الحسين بويعقوبي، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر، فإن هذه المناسبة تتجاوز البعد الثقافي لتكتسب أبعاداً اقتصادية وتنموية، حيث تُسهم في تنشيط الحركة الثقافية والاقتصادية بمناطق عديدة من المملكة.
وأضاف بويعقوبي أن هذا الاحتفال يشمل مختلف ربوع المغرب، من هضاب بني كيل في الشرق إلى جبال تاونات وسهول دكالة، رغم اختلاف الطقوس وأساليب الاحتفال من منطقة إلى أخرى.
من جهته، أكد عبد العزيز ياسين، أستاذ التاريخ، أن رأس السنة الأمازيغية يشكل ممارسة ثقافية متجذرة في التاريخ المغربي، تمتد إلى الأقاليم الجنوبية والشمالية على حد سواء. وأشار إلى أن هذه المناسبة تُبرز هوية الإنسان المغربي المرتبطة بالأرض وبتراثه العريق، مؤكداً أنها تعكس أصالة التنوع الثقافي للمملكة.
في منطقة التسول بإقليم تازة، تتميز احتفالات رأس السنة الأمازيغية بطقوس فريدة ذات طابع تربوي وترفيهي. الباحث أحمد لزعر التسولي أوضح أن هذه الطقوس تهدف إلى غرس قيم الانضباط والمسؤولية لدى الأطفال من خلال أنشطة رمزية مميزة.
تشمل هذه التقاليد إعداد “الكحايح”، وهي أقراص خبز صغيرة مُعدة خصيصاً للأطفال، إلى جانب ممارسة طقوس رمزية مثل إشعال النار وتجسيد شخصية “لالة حاكوزة”، التي تُضفي أجواء غرائبية تسهم في تربية الأطفال بأسلوب مشوق وترفيهي.
يعكس الاحتفال برأس السنة الأمازيغية قوة التراث المغربي في توحيد الأجيال وتعزيز الهوية الوطنية. هذا الموروث الثقافي، الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، يظل رمزاً لفخر المغاربة بعمق حضارتهم وتنوعها، ويؤكد أن الاحتفاء بالماضي هو أساس بناء مستقبل أكثر إشراقاً.