السبق الاخبارية
بعد السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية (البيجيدي) المغربي في انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021، أو “إسقاطه” كما يحب البعض تسمية ذلك، ظهرت في الساحة الإعلامية عدة تفسيرات وقراءات بمرجعيات مختلفة، لم نقف فيها جميعها على من نجح في تقديم الاستشكال المناسب للموضوع، ومن تم طرح السؤال المناسب الذي ستقود مقاربة الإجابة عنه إلى فهم ما وقع واستشراف القادم في المستقبل. وفي رأينا تدخل كل تلك القراءات تحت عنوان ما اصطلحنا عليه في هذه المقالة بـ”مدخل العوامل الخارجية”. وفي المقابل نقدم مدخلا جديدا لقراءة جديدة سميناه “مدخل النقد الذاتي”، يقوم على إعادة صياغة السؤال المطروح بغية فهم لماذا استجاب العدالة والتنمية لمحاولات استبعاده بسهولة وبتلك الصورة التراجيدية؟
مدخل العوامل الخارجية
يعتمد هذا المدخل في تفسير وفهم حالة “البيجيدي” (PJD) إثر انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021 على العوامل الخارجية، غاضا الطرف عن الأسباب الذاتية، معتقدا أن الذات الحزبية كانت في أفضل أحوالها، أو على الأقل لم تكن بالضعف الذي يجعلها تهوي بهذه الصورة غير المتوقعة. بمعنى أن الجاهزية التنظيمية للحزب كانت قادرة على تحقيق نتائج أفضل، إن لم تمنحه المرتبة الأولى للمرة الثالثة على التوالي. ويقوم هذا التفسير على استحضار جملة من الشروط الخارجية.
مدخل النقد الذاتي
المدخل الذي نعتمده لمحاولة فهم ما جرى يدعو إلى تصحيح استشكال الموضوع، وبعبارة أخرى فإننا من خلاله نؤكد على ضرورة وحيوية إعادة صياغة السؤال المطروح، تفاديا لأي خروج عن الموضوع، سيفوت علينا فرصة الفهم والتقويم المطلوبين في هذه الحالة.
وعليه فإن السؤال الذي ينبغي طرحه ليس هو: من أسقط البيجيدي؟ أو ما الطرائق والأدوات التي اعتمدها خصوم البيجيدي لإسقاطه؟ ولكن السؤال المناسب للحالة موضوع الفهم في نظرنا، والذي ينبغي طرحه، هو: لماذا لم يصمد البيجيدي في وجه محاولة إسقاطه؟ أو لماذا استجاب البيجيدي لمحاولة الإسقاط بهذه الصورة الدراماتيكية؟
لقد ظهر البيجيدي في معركة انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021 مجردا من عناصر الصمود والمقاومة. وهو ما تأكد بنزوله إلى القاع في صورة سقوط حر. أو لنقل أسقطه خصومه بالضربة القاضية التي لم يقو بعدها على إبداء أي مقاومة. فلو فقد هذا الحزب عشرات من مقاعده النيابية، ومثيلاتها من رئاسات المجالس الترابية، أو تدحرج إلى المرتبة الثانية أو الثالثة، لكان الوضع مختلفا. وساعتها سنفهم أن عوامل خارجية تدخلت لإزاحته، لكنه أبدى مقاومة معتبرة تجاهها.
إن أول ما نبغي التركيز عليه إذن في نظرنا هو إنجاز عملية الاستشكال المناسبة. وفي رأينا يعتبر التمحور حول السؤال الأول نوعا من التهرب من مواجهة الذات بالأسئلة الحارقة والبانية، التي من شأنها أن تدفع نحو تقديم إجابات ستفضي إلى ضرب من التقويم والنقد الذاتي الذي سيميط اللثام عن اختلالات وأعطاب حادة، لكنه سيحيل كذلك إلى مباشرة التطوير المطلوب للذات الحزبية. وبناء عليه سيكون السؤال الحقيقي الذي يتوجب طرحه هو: لماذا السقوط بهذه الطريقة الدراماتيكية التي لم يكن يتوقعها أحد؟ وبصيغ أخرى، لماذا لم يبد العدالة والتنمية أي مقاومة معتبرة لعملية الإسقاط تلك؟ وهل فقد العدالة والتنمية كل أو أغلب مقومات الصمود في وجه محاولات الاستبعاد أو حتى الاستئصال التي لم تتوقف يوما ما؟
إن النزعة المثالية “الطوباوية” في توزيع الثروة، وفي التعبير عن الروح الوطنية من خلال سياسات قاسية على الحزب، تتأسس في اعتقادنا على سوء تقدير لقوة الطبقة المتوسطة ولقدرتها على تغيير توجهات ومواقف الطبقات الهشة والفقيرة المستفيدة من السياسات الاجتماعية للحكومة.
تلكم في رأينا هي الأسئلة الحقيقية التي يتوجب طرحها، وليس تعليق “الهزيمة” على مشجب وسائل وطرائق الخصوم المشروعة وغير المشروعة على السواء. فالعمل السياسي كما هو معلوم يفضي تلقائيا إلى صراع المصالح، ولا يتصور أن يبقى الخصوم السياسيون مكتوفي الأيدي، يتفرجون على قلاعهم تتهاوى تباعا، وعلى مواقعهم تضيع منهم عند كل استحقاق انتخابي.
الحقيقة المرة هي أن البيجيدي أتيحت له فرصة المشاركة في الحكم لمدة 10 سنوات، لكنه لم يغتنمها لتحصين موقعه في المجتمع، ولتعميق تجذره بين المغاربة. وهو ما يجسده في نظري وقوعه في الخصومات والأخطاء التالية:
الخصومة مع الطبقة الوسطى
لقد عمل البيجيدي منذ حكومة عبد الإله بنكيران الأولى على ما سماه التقاسم العادل لخيرات البلاد، فتوجه نحو الطبقات الهشة والفقيرة ببرامج اجتماعية غير مسبوقة، وبقي يطورها حتى انتهت إلى صورة القانون الإطار للحماية الاجتماعية، الذي سيشكل ثورة اجتماعية كبرى في المغرب بعد إتمام تفعيله من قبل الحكومة الجديدة في حدود نهاية ولايتها.
ولكن في المقابل أنجزت حكومات العدالة والتنمية قرارات كانت صعبة ومؤلمة للطبقة الوسطى (إصلاح التقاعد، ضعف الزيادة في الأجور، التوظيف الجهوي…)، متجاهلة الأثر السياسي لذلك على الحزب نفسه، بل مستخفة به أحيانا، إذ لطالما صرح قياديو الحزب بأنهم مستعدون للتضحية بالحزب من أجل المصالح العليا للبلاد، وبأن شعبية الحزب المبنية على مجاملة فئات مجتمعية معينة غير مرغوب فيها، ولا تستحق منهم أي اهتمام.
وهذا في اعتقادي نوع من الإغراق في المثالية أو الطوباوية المنفصلة عن الواقع المجتمعي، إذ لا توجد في العالم الحر أحزاب لا تعير اهتماما في قراراتها لشعبيتها، أو للرفع من حظوظ عودتها لممارسة السلطة من جديد مهما كانت أهدافها نبيلة وسياساتها منحازة للصالح العام.
إن هذه النزعة المثالية “الطوباوية” في توزيع الثروة، وفي التعبير عن الروح الوطنية من خلال سياسات قاسية على الحزب، تتأسس في اعتقادنا على سوء تقدير لقوة الطبقة المتوسطة ولقدرتها على تغيير توجهات ومواقف الطبقات الهشة والفقيرة المستفيدة من السياسات الاجتماعية للحكومة.
لم ينجح الحزب فعلا في تقدير قوة الطبقة المتوسطة في المجتمع، ولم ينتبه لمحوريتها، وعوّل على التجذر داخل الفئات الدنيا من المجتمع، فأخطأ التقدير، إذ تمكنت الطبقة الوسطى من تشكيل رأي عام مناهض له، وبناء ونشر صورة سلبية عن البيجيدي أقنعت بصوابيتها حتى تلك الفئات الهشة والفقيرة التي انحاز لها الحزب في سياسات اجتماعية غير مسبوقة.
الخصومة مع الطبقة المحافظة
لقد اعتبرت الطبقة المحافظة في المجتمع المغربي دائما امتدادا حيويا لحزب العدالة والتنمية بحكم صدوره عن المرجعية الإسلامية، وكانت ترى فيه أفضل محام عن الأسرة، وقضايا الأمة الإسلامية، وعن الدين واللغة العربية وغيرها من عناصر الهوية المغربية، لكنه فقد دعمها لضعف مرافعته حسب منظورها عن بعض تلك القضايا في محطة مناقشة التناوب اللغوي في القانون الإطار 17/51 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وفي نازلة التوقيع الثلاثي لإعادة تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وأثناء المصادقة على قانون الاستعمالات الطبية لنبتة القنب الهندي.
بهذه المواقف يكون العدالة والتنمية قد دشن خصومة شديدة مع الطبقة المحافظة في المجتمع المغربي، وفقد أحد أهم معاقله وجزءا معتبرا من قاعدته الانتخابية، وعمق تصدعا داخليا بين أعضائه أنفسهم تجلى بوضوح حينما استقال رئيس الفريق النيابي من مهامه بشكل مفاجئ، وعندما استقال القيادي نفسه من رئاسة برلمان الحزب، كما ظهر ذلك أيضا في صورة تمرد داخل الفريق النيابي قادها النائب المعروف المقرئ الإدريسي أبو زيد، فضلا عن الخرجات القوية للأمين العام السابق بنكيران التي كانت تجد لها صدى قويا داخل الحزب والقاعدة الانتخابية التقليدية للعدالة والتنمية.
الخصومة مع أطر الحزب
لطالما تباهى رئيسا الحكومتين بنكيران وسعد الدين العثماني، وعدد من الوزراء البارزين في الحزب، بعدم تمكين الأطر الحزبية من مهندسين وأساتذة الجامعة وخبراء وغيرهم من الوصول إلى مواقع المسؤولية في الإدارة والمقاولات العمومية. وقد كانوا يسعون من وراء ذلك إلى إبراز طهرانية الحزب ونزاهته وتجرده في خدمة الصالح العام. وفي هذا الإطار عملوا على التمكين لأطر من مشارب أيديولوجية مختلفة وحتى من انتماءات حزبية أخرى.
وقد خلق هذا التوجه من جهة أولى حالة غضب وحسرة عند قطاع واسع من أطر وخبراء الحزب، لأنهم حرموا من الترقي الوظيفي، ليس لعدم كفاءتهم، ولكن لانتمائهم للحزب، ورغبة من الوزراء ورئيس الحكومة في دفع شبهة وتهمة تعيين المقربين عن أنفسهم، ومن جهة أخرى دفع هذا السلوك باقي الأطر من خارج الحزب إلى الإحجام عن الالتحاق به مخافة الإقصاء والتهميش والاستبعاد الذي لقيه زملاؤهم من المنتمين للعدالة والتنمية.
الخصومة مع الإعلاميين
لقد تحمل الحزب مسؤولية وزارة الاتصال في الحكومة الأولى، واستمر في رئاسة الحكومة لولايتين، ولكنه لم يستثمر بذكاء في الإعلام والتواصل، ما عدا الآليات الحزبية المعروفة، كما لم يستطع كذلك مد جسور التعاون والصداقة والثقة مع الإعلاميين والصحفيين، علاوة على إحداث قوة ضغط إعلامية خاصة بهذا الحزب.
لقد ركن العدالة والتنمية للقدرة التواصلية الاستثنائية للأمين العام السابق بنكيران، الذي كان يجر خلفة الموقع الإلكتروني وصفحة فيسبوك الحزبيتين، فلم ينتبه لإنجاز المطلوب. لقد نام الحزب “في العسل”، كما يقال، وحين استيقظ من سباته بعد ترجل بنكيران وجد نفسه خارج عوالم الإعلام والاتصال؛ ولعل أزمة شركة “عدالة ميديا” اليوم أحد العناوين البارزة لذلك الإخفاق.
لم يبذل الحزب أي مجهود طيلة 10 سنوات من التدبير لترسيخ قدمه داخل الأسرة الفنية باعتبارها قوة مؤثرة في المجتمع ما عدا ترشيحه الفنان الممثل ياسين أحجام في الولاية البرلمانية 2011، وما قام به هذا الأخير بخصوص قانون الفنان، رغم أن كثيرا من الفنانين أبدوا تعاطفهم مع الحزب ومساندتهم له خاصة أثناء ولاية بنكيران الحكومية.
أما الخصومة التي ستحتاج لوقت طويل من أجل تجاوزها، فهي تهجم بنكيران نفسه على الإعلاميين بطريقة لم يسبقه إليها زعيم سياسي يفهم ويقدر الوظيفة الحيوية للصحافة والإعلام في الحياة السياسية، حينما وصفهم بأوصاف قدحية، وقلل من قيمتهم وقدرتهم على صناعة رأي عام مؤثر. أعتقد أن بنكيران، وهو الإعلامي ورجل التواصل المميز، لم يوفق هذه المرة في إدارة الصراع مع جسم إعلامي كان قد تمت استمالته بالكامل لصالح جهة معينة كان يحس بدهائه السياسي أنها قوة جارفة قادمة لا محالة.
كما أن الأمين العام الحالي “العثماني” لم يستثمر جيدا الإمكانيات التي رصدت له باعتباره رئيس حكومة لتوطيد العلاقة مع الجسم الإعلامي، بل يلاحظ أنه عمل بنوع من “الهواية” القاتلة في هذا المجال، الأمر الذي أوقعه في أخطاء تواصلية مؤثرة، لازمته طيلة ولايته، وكان لها أثرها السيئ على صورته في المخيال الجمعي للمغاربة، وعلى مواقفهم اتجاه شخصه وسياساته الحكومية على السواء.
الخصومة مع الفنانين
لم يبذل الحزب أي مجهود طيلة 10 سنوات من التدبير لترسيخ قدمه داخل الأسرة الفنية باعتبارها قوة مؤثرة في المجتمع، ما عدا ترشيحه الفنان الممثل ياسين أحجام في الولاية البرلمانية 2011، وما قام به هذا الأخير بخصوص قانون الفنان، رغم أن كثيرا من الفنانين أبدوا تعاطفهم مع الحزب ومساندتهم له خاصة أثناء ولاية بنكيران الحكومية.
لكن الخطأ الفادح للأسف الشديد الذي دشن لمرحلة جديدة من الخصام مع الأسرة الفنية هو الذي اجترحه بنكيران في خرجته الأخيرة حينما اعتبرهم مجرد مرتزقة يقدمون الإشهار لمن يؤدي الثمن، ملحقا بهم ضررا معنويا بالغ الأثر.
الخصومة مع الأحزاب السياسية
دائما ما أطرح على نفسي هذا السؤال: لماذا تتكالب كل الأحزاب بمختلف مشاربها على العدالة والتنمية؟
فإذا وجهت هذا السؤال لأي عضو في البيجيدي، سيجيبك بكل بساطة بأن السبب هو اختلافه معهم في طريقة العمل السياسي التي تعاكس مصالحهم الذاتية، أو لأن معظم الأحزاب فاقدة لقرارها السياسي وتمتثل لتعليمات جهات ما.
قد أتفهم ذلك جيدا، أو أصدق أنه متضمن لقسط وافر من الصواب. لكن يواجهني سؤال آخر، هو: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وأليس بالإمكان ابتداع حلول وسطى تضمن لهذا الحزب حياة طبيعية بين باقي الفاعلين السياسيين؟ وهل البيجيدي دائما على صواب فيما يجترحه من سياسات والآخرون على خطأ؟
مع كل ذلك، فالبيجيدي وقع في أخطاء كثيرة تجاه باقي الأحزاب، خاصة حينما يتوجه إليها بخطاب قاس يصنفها مع “الشياطين”. فلا أعتقد أن حزبا “كبيرا” في المغرب لم ينل نصيبه من هجومات و”تهجمات” البيجيدي. فحتى حينما يجتهد أحدها للاقتراب منه يلق صدودا وممانعة كبيرين إما من القيادة، وإما من عموم الأعضاء. للأسف الشديد هذا النزوع نحو المبالغة في تمجيد الذات، والتقليل من شأن الآخرين عام عند عموم ما يسمى بالإسلام السياسي.
لكل هذا أعتقد أن المرحلة تتطلب تفكيرا عميقا لابتداع أجوبة ملائمة لتلكم الأسئلة الحارقة، وإلا فإن عزلة هذا الحزب ستتعمق وتستمر للأسف الشديد.
العجز عن كسب الثقة الكاملة للنظام
لقد حرص الحزب دائما، وخاصة بنكيران، على بعث رسائل الطمأنة للنظام، حتى بدا في كثير من الأحيان ملكيا أكثر من الملك، لكن الحزب بقي دائما محط توجس وخيفة نظرا للأخطاء التي ما فتئ بنكيران نفسه يرتكبها بتوجيه رسائل “غامضة”، مشبعة بكثير من الشعبوية المفرطة. رسائل تفهم على أنها نوع من ازدواجية الخطاب الذي يحتمل أكثر من تأويل، وتعبيرا يفهم على أنه نوع من “المن” بخصوص دور الحزب في الحفاظ على الاستقرار إبان ثورات الربيع الديمقراطي.
وعليه فإن المطلوب اليوم هو الاشتغال على خطاب واضح ومؤسسي تجاه النظام والملكية، يقوم على تعاقدات واضحة، تستمد مشروعيتها من الدستور نفسه. خطاب واضح غير مشوش ولا قابل للتأويلات السلبية.
العجز عن تطبيع العلاقات مع رجال الأعمال
بذل الحزب في هذا الاتجاه مجهودات كثيرة ونوعية، واستفادت معه المقاولة المغربية بمختلف أصنافها الكثير، لكن تلك الطبقة وذلك المجال بقيا متمنعين عليه لرسوخ أقدام الأحزاب الليبرالية فيه منذ زمن بعيد.
خلاصات ومقترحات
لا أعتقد أن تجاوز حالة السقوط التي يعيش الحزب اليوم تحت وطأتها سيتم بتقديم أطروحة سياسية جديدة فقط، رغم ضرورتها وأهميتها، ولا باستدعاء بنكيران لقيادة الحزب من جديد، أو بإحالة الجيل المؤسس على المعاش وتعويضه بقيادات شابة.
صحيح أن تجديد القيادات مطلوب مع حفظ الاستمرارية، وأن أطروحة سياسية تناسب المرحلة ملحة لتأطير الفعل السياسي للحزب، لكن قبل كل ذلك، أو معه، لا بد من الاهتمام بابتداع أجوبة ملائمة لتجاوز الخصومات، والأعطاب المشار إليها سابقا، وإنجاز الصلح المطلوب مع مكونات من المجتمع، لها وزنها وتأثيرها في صناعة الرأي والمزاج العامين.
العدالة والتنمية اليوم في اعتقادنا في حاجة إلى جلسة هادئة مع الذات، يعيد فيها قراءة تجربته في تدبير الشأن العام والمحلي، بعيدا عن ضغوط لحظة الهزيمة الانتخابية. جلسة يوجه فيها جهده الفكري للذات ومقوماتها، وسياساتها المتبعة. وأعتقد شخصيا أنه مدعو اليوم إلى بذل مجهود تنظيري نوعي بخصوص موضوع المرجعية وطرائق تفعيلها على أرض الواقع. وفي هذا السياق لا بد حسب تقديري من التخلص من قوة ضغط النماذج التراثية في التسيير والحكم، وكذا الانفتاح على النماذج الحديثة للحكامة الرشيدة، وإدارة معارك التداول السلمي على السلطة.
وأعتقد أن جهدا نوعيا وجرأة مميزة كذلك مطلوبان اليوم لتخليص الحزب من حالة “القطبية الثنائية”. قطب بنكيران وقطب العثماني. فإن من بين ما أنهك الحزب وأضعفه بشكل رهيب وغير مسبوق هو الوقوع في فخ تلك القطبية الثنائية الزائفة.
البيجيدي استمد قوته وتميزه من الفكرة الإصلاحية التي جسدها، والقيم النبيلة التي تشبع بها، لكنه حينما تحوّل عنها إلى التمحور حول الأشخاص، فقد جاذبيته عند قطاع عريض من الصامتين من أعضائه.
وفي اعتقادي فالشخصان معا ينبغي أن يترجلا بهدوء من قاطرة القيادة، ويفسحا المجال لقيادة جديدة بفكر جديد ومقاربة جديدة تتجاوز الخصومات المذكورة، وتخرج الحزب من عزلته القاتلة، وليس فقط بأطروحة سياسية جديدة
الحسين زاهيدي عن الجزيرة نيت
عذراً التعليقات مغلقة