الرباط ـ «القدس العربي»: أثار حزب “العدالة والتنمية” جدلا واسعا بالمغرب، بعد أن ربط بين حدوث الزلزال وبين الغضب والعقاب الإلهي، وأنه حدث بسبب الذّنوب والمعاصي الموجودة في الحياة السياسية والانتخابات والتدبير العمومي. ليعلن الوزير السابق عبد القادر عمارة استقالته من الحزب ساعات بعد صدور البلاغ.
وأعلن عمارة، القيادي في حزب “العدالة والتنمية”، والوزير السابق عن قطاع التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، لولايتين متتاليتين عن استقالته من الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران.
وقال في تدوينة على صفحته الرسمية: “بقلب يعتصرُه الألم على ما آلت إليه تجربة حزب “العدالة والتنمية” فإني أُعلن عن استقالتي من الحزب وكل هيئاته منذ هذه اللحظة”.
خطوة الوزير السابق جعلت الكاتب والمحلل السياسي بلال التليدي، يعتبر أن تزامُن الاستقالة مع صدور البلاغ المثير الجدل “قد يُرجّحُ القرار خاصة وأن عمارة له ملاحظات كثيرة بخصوص التدبير القيادي”، مؤكدًا لـ “القدس العربي” أنه من الصعب تحليل أسباب استقالة القيادي الإسلامي ما لم يُعلِن عن أسبابه الحقيقية.
بلاغ الأمانة العامة للحزب الإسلامي المعارض، الذي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، قال إنه “من واجبنا كحزب سياسي أن نَعتبر وأن ندعو إلى الاعتبار مما وقع استحضارًا لقوله سبحانه وتعالى “وَبَشِّرِ الصابرين اَلذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٞقَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، والذي يُردِّده المسلمون كلما حلَّت بهم مصيبة”.
الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” المغربي، عبد الإله بن كيران، أوضح ضمن البلاغ ذاته: “علينا أن ننتبه إلى أن من معاني “الرجوع إلى الله” ما يفيد أننا مبتعدون عنه في أمور معينة، وعليه وجب أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى كي يُضمِّد جراحنا ويُعوِّضنا عن مصيبتنا خيرًا، ولكن يجب أن نراجع كذلك كي نرجع إلى الله، لأن كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار”.
السؤال المطروح
وتابع رئيس الحكومة السابق: “الصواب هو أن نُراجع كأمّة ونتبيَّن هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي لكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها”، وفق تعبير البلاغ.
الموقف المُعبَّر عنه في البلاغ دفَع المحامي والقيادي بحزب “العدالة والتنمية” عبد الصمد الإدريسي، إلى رفضه والاختلاف معه.
وكتب القيادي على صفحته الرسمية بـ “فيسبوك”: “أشياء كثيرة أختلف معها في طريقة تدبير حزب العدالة والتنمية ومواقفه خلال السنتين الأخيرتين، سواء من حيث تدبيره التنظيمي واحترام قوانينه ومساطره، أو من حيث طريقة اتخاذ قرارته ومواقفه، لكن كنت لا أرى ضرورة لإعلان ذلك”.
وتابع: “لكن هذه الفقرة الواردة في بلاغ الأمانة العامة الأخير، لا أرى سبيلًا لعدم إعلان رفضها والاختلاف مع مضمونها، سواء من حيث مدلولها وفهمها دينيًا، بل وحتى سياسيًا”.
وفي تصريح لـ”القدس العربي”، اعتبرت خديجة أبلاضي، البرلمانية السابقة عن “العدالة والتنمية”، أن هذا البلاغ “يمكن أن نصفه بالبلاغ الموسوم بحشو الكلام الذي لا طائل منه، بل بلاغ شارد ولا يليق بالظرفية التي يعيشها المغاربة وخاصة ساكنة تلك المناطق المنكوبة المتضررة جراء الكارثة التي لا نحسبها إلا قدرًا من أقدار الله التي مرت بألطاف الله وأبانت عن المعدن الأصيل للشعب المغربي الذي تشبع بروح التضامن والتكافل”.
وأضافت، المستقيلة من حزب “العدالة والتنمية”، قائلة: “لا يجب أن نفسر واقعة الزلزال الأليمة على أنها عقاب من الله، وهذا التأويل لا يليق ولا يتناسب والظرفية التي تمر منها بلادنا”. وتساءلت: “هل البسطاء والمهمشون في أعالي الجبال وفي المغرب المنسي يستحقون عقابًا دون أن يعرفوا ماذا اقترفوا وقد رأينا نساءهم يسعين لبناء المساجد وأطفالهم يحرصون على حفظ القرآن الكريم؟ بل حسب تأويل البلاغ لماذا ينجو الفاسدون إذن من أقدار الله إذا كانت هذه المعادلة تليق؟”.
وختمت العضو السابق في “العدالة والتنمية” تصريحها لـ”القدس العربي” بالتأكيد على أن “ما تضمنه بلاغ الأمانة العامة خاصة التأويل المتعلق بكارثة لا يعدو أن يكون مجرد خزعبلات بل ترهات لا تليق بحزب سياسي كان على رأس تدبير الشأن العام طيلة عشر سنوات. كما لا يليق بحزب سياسي إقحام التأويل الديني في الشأن الحزبي والسياسي وكل تأويل سياسوي لا يسعى إلى وضع الملح على الجراح”.
نكوص سياسي
تعليقاً على ما جاء في بلاغ الأمانة العامة للحزب الإسلامي المعارض، قال الكاتب والمحلل السياسي بلال التليدي: “ما تضمّنه البلاغ نُكوصٌ كبير جدًا على مستوى الأطروحة السياسية التي تقول بأن “العدالة والتنمية” حزب سياسي بمرجعية إسلامية وأنه يمارس السياسة بأدوات السياسة وآلياتها”.
“الفقرة الواردة بتلك الصياغة، هي فقرة أعادت الحزب سنوات كثيرة إلى الوراء، وإلى ما قبل تشكيل الفريق النيابي لأول مرة، حين كان الحزب يتبنى خطاب التخليق لا خطاب التدبير والسياسات العمومية”، يقول التليدي.
ويعتقد المحلل السياسي متحدثًا لـ “القدس العربي”، أن الربط بين الزلزال والمعاصي، في حال صَدَر عن وُعّاظ أو دعاة فهذا يخصُّهم وهو مسار جدال ونقاش حتى داخل المؤسسة العلمية ومؤسسة الحقل الديني، وتابع “أن يعتبر الحزب الزلزال محطة للاعتبار وأخذ العبرة والاجتماع والتضامن وأن تتكاتف جهود الأُمة وأن يتجه المجتمع المغربي نحو المزيد من الجدية والعمل، فالأمر مقبول سياسيًا”.
واستطرد قائلاً إن الربط بين الزلزال وبين المعصية الدينية والسياسية فيه “نُكوص عن أطروحة الحزب السياسية، وكان الأصوب والأكثر جُرأة أن يتم الحديث عن هشاشة هذه المناطق، وأن السياسات العمومية وميزانياتها الضخمة لن تصل إلى هذه المنطقة. كما أثبتت كاميرات الإعلاميين المغاربة والأجانب أن هذه المناطق تعيش خارج التاريخ، وإذا ما قورنت بالمشاريع الضخمة التي تُنجز في البلاد على مستوى المدن، لاعتقدنا أن البادية لا تنتمي إلى المغرب”.
وبالعودة إلى البلاغ، أشادت الأمانة العامة للحزب الإسلامي المعارض، بـ “الدور القيادي والتدخل الحاسم للملك محمد السادس، منذ اللحظات الأولى التي أعقبت هذا الزلزال، وتعليماته السديدة لمختلف القوات والسلطات العسكرية والمدنية للتدخل بالسرعة اللازمة واتخاذ الإجراءات الاستعجالية لتسريع ﻋﻣﻠﯾﺔ الإﻧﻘﺎذ والتكفل باﻟﺟرﺣﻰ”.
ودعت الأمانة العامة، الحكومة إلى “التسريع والتعجيل بإنهاء إحصاء الساكنة المتضررة والمبادرة بسرعة ودون تأخر إلى صرف الدعم المباشر لها وصياغة التفاصيل الدقيقة والعملية لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة، والإنصات إلى الساكنة وإشراك المنتخبين والمجتمع المدني وتوفير الحكامة الجيدة اللازمة بما يضمن الرقابة البرلمانية وتنزيل البرنامج بسرعة ونجاعة وفعالية”.
وقدّمت الأمانة العامة بالغ الشكر والامتنان لكل الدول التي دعمت المغرب في هذه الظروف الصعبة بطلب من السلطات المغربية في إطار الاختيارات السيادية الوطنية وبناء على الاحتياجات الميدانية، معبّرة عن تقديرها البالغ بالموقف الصارم والحازم اتجاه الابتزاز الفرنسي المرتهن لمنطق قديم، وتستهجن وتدين بقوة الحملات الإعلامية العدائية غير الأخلاقية وغير الإنسانية.
ونبَّهت الأمانة العامة أيضًا إلى ضرورة أخذ العبرة من هذه الأزمة العصيبة ومخلفاتها للقيام بمراجعة حقيقية لطريقة ومنهجية بلورة وتنفيذ والمصادقة على مختلف السياسات العمومية والبرامج التنموية، بما ينسجم مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
عن القدس
عذراً التعليقات مغلقة