دعت رئاسة النيابة العامة المسؤولين القضائيين بجميع النيابات العامة إلى اعتماد منهج أكثر دقة وتحفظاً في دراسة الوشايات مجهولة المصدر، وذلك تماشياً مع المستجدات التي حملتها التعديلات الجديدة لقانون المسطرة الجنائية. وأكدت أن هذه التعديلات باتت توجب على قضاة النيابة العامة إجراء تحريات أولية للتأكد من جدية أي وشاية قبل الإذن بفتح بحث قضائي، تفادياً للاستناد إلى ادعاءات غير مؤكدة قد تُستغل للإضرار بالأفراد أو عرقلة سير مؤسسات الدولة.
وتأتي هذه المقتضيات في إطار تعديل المادتين 40 و49 من المسطرة الجنائية عبر القانون رقم 03.23، حيث أصبح لزاماً على النيابات العامة، عند تلقي وشايات مجهولة، طلب تحريات أولية من الشرطة القضائية، واعتماد خلاصاتها قبل اتخاذ قرار بفتح بحث قضائي، وذلك ابتداءً من 8 دجنبر 2025.
كما شدد المنشور الموجه إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك والمحامي العام الأول لدى محكمة النقض على ضرورة اتباع المسار ذاته في الحالات التي ترد فيها وشاية مجهولة مباشرة إلى ضباط الشرطة القضائية، إذ يتعيّن الحصول على إذن من النيابة العامة قبل مباشرة أي بحث، على أساس تحريات أولية تؤكد جدية المعلومة.
ضوابط جديدة تخص الجرائم المالية
وتوقفت رئاسة النيابة العامة عند التعديلات المتعلقة بالشكايات والوشايات المرتبطة بالجرائم الماسة بالمال العام، مؤكدة أن القانون الجديد يفرض مسطرة خاصة تحول دون فتح الأبحاث في هذه الجرائم مباشرة من قبل النيابة العامة. إذ لا يمكن مباشرة التحقيق إلا بعد إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناءً على تقارير صادرة عن المفتشيات العامة، أو إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو أي جهة مخول لها ذلك قانوناً. غير أن الجرائم المالية التي يتم ضبطها في حالة التلبس تظل خاضعة للقواعد العامة، بعيدا عن هذا القيد.
توسيع نطاق الإشعارات وتعليل قرارات الحفظ
وبموجب التعديل الجديد، أصبحت النيابات العامة ملزمة بإشعار المحامين والمشتكين والضحايا بجميع القرارات والإجراءات المتخذة بشأن شكاياتهم، وليس فقط قرارات الحفظ كما كان معمولا به سابقاً، وذلك داخل أجل 15 يوماً من تاريخ اتخاذ القرار، سواء تعلق الأمر بالمتابعة أو الحفظ أو الإحالة.
ولضمان فعالية هذا الإجراء، فرض القانون على المشتكين والضحايا الإدلاء بمعطياتهم التواصلية، من أرقام الهواتف والعناوين الإلكترونية وعناوين السكن، عند وضع الشكايات أو أثناء الاستماع إليهم، مع إدراج هذه البيانات في نظام “SAJ2″ لضمان الإشعار الإلكتروني مستقبلاً.
إمكانية التظلم من قرارات الحفظ
ومن بين المستجدات البارزة، إقرار إمكانية التظلم من قرارات الحفظ، حيث أصبح من الممكن تقديم التظلم أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالنسبة لقرارات وكلاء الملك، وأمام الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة بالنسبة لقرارات الوكلاء العامين للملك. كما أصبحت النيابات العامة مطالبة بتعليل قرارات الحفظ وإعداد تقارير تفصيلية عند الاقتضاء، لتمكين الجهات المختصة من دراسة التظلم وتقدير قانونيته.
وتعكس هذه التعديلات اتجاهاً نحو تعزيز ضمانات المتقاضين، وترشيد استعمال الوشايات مجهولة المصدر، وضبط مسطرة التعاطي مع الشكايات، خصوصاً تلك المرتبطة بالجرائم المالية.




