أكدت الهيئة في تقرير حديث صادر بعد تقريرها السنوي، أن الإثراء غير المشروع من المواضيع الواجب تجريمها بنص واضح في مجموعة القانون الجنائي لتعزيز المنظومة القانونية الوطنية في محاربة الفساد ومحاصرته.
وفي رد منها على اعتبار وهبي تجريم الإثراء غير المشروع مس بقرينة البراءة، أكدت هيئة البشير الراشدي على أن التجريم لا يمس بقرينة براءة المسؤولين، مشيرة لإمكانية التوفيق بين الأمرين، وفق ضوابط دقيقة ومحددة، تتمثل في تحمل السلطات والهيئات المخول لها قانونا البحث والتحري في هذه الجريمة إثبات أربعة عناصر اساسية: أن هناك زيادة كبيرة ملحوظة في الثروة، وأن هذه الزيادة تحققت بعد تولي المتهم للوظيفة أو اكتسابه للصفة، وأن هذه الوظيفة أو الصفة تكون مقرونة بمخاطر تتيح فرص الحصول على فوائد ومنافع غير قانونية، وأن حجم هذه الزيادة يفوق بكثير موارد المعني بالأمر أو موارد الأشخاص الملحقين به قانونيا.
وواصلت ذات الهيئة الدستورية في إحراج وهبي بردها على عدم سدادة مبرراته في سحب مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع، باعتباره مسألة جاري بها العمل، وانبثق بشكل خاص على مستوى الآليات الجنائية المتجددة التي قدمتها اتفاقية الأمم المتحدة والعربية والإفريقية لمكافحة الفساد، حيث برز ضمن هذا التوجه العالمي، اعتبار يرى الزيادة الكبيرة الملحوظة في موجودات الموظف العمومي مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، خلال الفترة المعينة التي يتقلد فيها مهام ومسؤوليات عمومية ترافقها مخاطر الاستغلال لغير المشروع ، سلوكا يستوجب، في حالة عدم القدرة على تبرير هذه الزيادة، تكييفها على أنها إثراء غير مشروع يتعين تجريمه.
وأشار التقرير الحامل لعنوان “من أجل منظور تأطيري لأفعال الفساد”، إلى أنه اقتناعا بالضوابط الضامنة لمبدأ التوفيق بين حق المجتمع في حماية المصالح العامة وبين حق المعنيين في حماية قرينة براءتهم، يجب تجريم الإثراء غير المشروع مع اعتباره جريمة مستقلة لها أحكامها الموضوعية المتمثلة في مقوماتها الجرمية والعقوبات الحبسية والمالية المتناسبة مع خطورتها، كما لها أحكامها الإجرائية المتمثلة في القواعد المسطرية الكفيلة بالبحث فيها والتحقق منها وإثباتها.
ويجب أن يتضمن التشريع الجديد وفق منظور هيئة محاربة الرشوة وضع تعريف واضح ومتكامل لهذه الجريمة يتضمن التنصيص على أنه “يعتبر إثراء غير مشروع كل زيادة كبيرة في موجودات الموظف العمومي أو أولاده القاصرين أو المتكفل بهم، تطرأ بعد تولي الخدمة أو قيام الصفة، وكانت لا تتناسب مع موارده وعجز عن إثبات مصدر مشروع لها”، مع تحديد الجزاء المناسب لجريمة الإثراء غير المشروع، بالتنصيص أساسا على حصر الجزاء في الأشخاص الذين تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة، مع استحضار حالات المساهمة أو المشاركة أو الإخفاء.
يُذكر أن وزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، سحب في وقت سابق مشروع قانون تجريم الإثراء غير المشروع من المناقشة بالبرلمان، رغم احتجاج العديد من المنظمات الحقوقي والمدنية من هذا الإجراء.
واعتبرت العديد من الهيئات الحقوقية ومنظمات حماية العام أن سحب المشروع، هدية “من طرف وهبي للمفسدين ومبددي المال العام”، ولا ينسجم مع المقتضيات الدستورية والقانونية الداعية لتخليق الحياة العامة والمؤسسات الإدارية بنصوص قانونية واضحة وصارمة.
عذراً التعليقات مغلقة