إيران والكيان الإسرائيلي… تصفية حسابات خارج الحدود

sabk22 يناير 2024آخر تحديث :
إيران والكيان الإسرائيلي… تصفية حسابات خارج الحدود

ليست دولة باكستان النووية بالقوة التي يُستهان بها، لكي يتجاهل خصمها تبعات الاعتداء عليها، وحتما كانت تدرك إيران – عندما استهدفت ما وصفتها بجماعات إرهابية داخل الأراضي الباكستانية – أن هذا الطرف القوي لن يتهاون في سمعته العسكرية، خاصة أن الانتخابات العامة على الأبواب، ولن يقف من دون رد مساوٍ على الأقل لهذا العدوان، ومع ذلك أقدمت إيران على خطوة وصفت بأنها استعراض للقوة، وإظهار لقدرتها الصاروخية على تهديد دول نووية قوية.

نحن أمام تصفية حسابات خارج الحدود بين إيران والكيان الإسرائيلي، تؤكد أن الطرفين بعيدان كل البعد عن استهداف أي منهما لحدود الأخرى

لكن هذا الاستعراض يبدو أنه كلف إيران كثيرا، وأكثر مما كانت تتوقع، فإن هذه الضربة التي وجهتها لباكستان القوية، في توقيت وصول معركة طوفان الأقصى إلى ذروة الاشتعال، أعادت التساؤل من جديد: أين نصيب تل أبيب من الصواريخ البالستية الإيرانية؟ هو سؤال منطقي جدا، خاصة في هذا الظرف التاريخي الذي اختُبر فيها محور المقاومة، الذي كان يرتكز في خطابه الديماغوجي على القضية الفلسطينية، ومع اندلاع حرب شاملة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، سوف تغير وجه المنطقة، كان من الطبيعي أن تتدخل إيران بقوة في تلك الحرب، لأنها في ما يبدو حرب نهاية صراع وجودي، إما المقاومة، وإما الكيان الإسرائيلي.
كما قلت سلفا، إن الموقف الإيراني مبني على إمساك العصا من المنتصف، يتمثل في التصريح بأن إيران ليست طرفا في الحرب، ولن تتدخل إلا حال استهداف إيران، مع تحريك حلفائها لشن ضربات لا ترقى إلى مستوى درجة الحرب، وهو ما انتقده خالد مشعل. لكن بشكل عام، جاء الموقف الإيراني مخيبا لآمال المقاومة الفلسطينية، التي تقاتل وحدها ضد الكيان الإسرائيلي، بل حاولت إيران الاستفادة من عملية طوفان الأقصى لتجميل وجهها، حيث صرح المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني رمضان شريف، بأن الهجوم الذي شنته كتائب القسام في السابع من أكتوبر، على مستوطنات ومقرات عسكرية إسرائيلية في غلاف غزة، كانت إحدى عمليات الثأر لاغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، لكن حركة حماس نفت بشدة هذا التصريح، وأكدت أن العملية جاءت ردا على الاحتلال وعدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني، والأخطار التي تهدد المسجد الأقصى، ما جعل إيران تتراجع عن تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري، وتؤكد الدوافع ذاتها التي أكدت عليها حماس. ما يحدث بين إيران والكيان الإسرائيلي حاليا، يؤكد ما كان بالأمس محل جدل وخلاف، من أن إيران لن تقدم على حرب مباشرة مع الاحتلال، فالحرب ضد الكيان الإسرائيلي يعني دخول أمريكا وحلفائها على الخط، كما أن إيران تعاني مشكلات اقتصادية ضخمة، وتواجه حكومة طهران معارضة شرسة بسبب الأموال التي يتم ضخها إلى الحلفاء والأذرع في الدول العربية، إضافة إلى تجميد أموالها في الخارج، والقيود المفروضة على صادراتها النفطية، كل هذه أسباب تؤكد أن إيران كدولة تبحث في المقام الأول عن مصالحها، لن تقدم على حرب مع الكيان الإسرائيلي.
ما يحدث بين إيران والاحتلال حاليا، يشبه الاتفاق الضمني على عدم استهداف أي من الدولتين الأخرى داخل حدودها، فعندما اغتالت قوات الاحتلال مستشار الحرس الثوري الإيراني العميد رضي موسوي في سوريا، ردت إيران باستهداف مواقع في الشمال العراقي، قالت إنها مقرات تجسس إسرائيلية. «داعش» التي لم يعد هناك شك من أنها صناعة استخباراتية أمريكية، شنت هجوما انتحاريا في مدينة كرمان جنوب إيران أثناء ذكرى اغتيال قاسم سليماني، فقامت القوات الإيرانية بقصف الشمال السوري، معلنة أنها استهدفت تنظيم «داعش» وجماعات إرهابية، وظهر في هذه العملية حرص القوات الإيرانية على عدم المساس بالوجود الأمريكي في سوريا. إذن، نحن أمام تصفية حسابات خارج الحدود بين إيران والكيان الإسرائيلي، تؤكد أن الطرفين بعيدان كل البعد عن استهداف أي منهما لحدود الأخرى. وآخر العمليات الإسرائيلية ضد المصالح الإيرانية كانت منذ ساعات قبل كتابة هذه السطور، عندما استهدفت القوات الإسرائيلية مستشارين عسكريين إيرانيين ومسؤولين في الحرس الثوري الإيراني في دمشق، تزامنا مع غارة إسرائيلية استهدفت عنصرين من حزب الله، حليف إيران، جنوبي لبنان، ومن المتوقع كذلك أن تقوم إيران بالرد ولكن كالعادة، خارج حدود دولة الاحتلال. قواعد الاشتباك التي يعمل بها الطرفان، من دون اتفاق، ظهرت في تصريح محمد مهدي شريعتمدار لقناة «سكاي نيوز عربية»، عندما قال بالنص في معرض تعليقه على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على شخصيات إيرانية في سوريا: «الكيان الصهيوني يحاول توسيع رقعة الحرب، ويحاول توريط جهات أخرى ويحاول أن يستفز إيران، لكن إيران لن تخضع لهذه الاستفزازات، إيران لها خطتها في مواجهة الكيان الإسرائيلي، تختار الظروف الزمكانية المناسبة للرد، وربما يكون الرد في غير سوريا وفي غير فلسطين المحتلة». ربما تكون هذه الحالة العدائية بين إيران والكيان الإسرائيلي التي تعتمد على تصفية الحسابات خارج الحدود، ردا قاطعا على المتفائلين الذين ما زالوا يعتقدون أن إيران التي تقود محور المقاومة، سوف تدخل الحرب، إيران لن توجه صواريخها إلى تل أبيب، ولن تكون طرفا في الحرب الدائرة في فلسطين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة